لا يقتصر تداول العملات المشفرة على توافر استراتيجية للتداول ودراسة الأوضاع وترندات السوق. يتميَّز سوق العملات الرقمية بالتقلب الشديد، وهذا يسبب ردود فعل عاطفية قوية وسط المتداولين. فلا بد من فهم السيكولوجية الكائنة وراء اتخاذ القرار في مجال التداول والتحكم بالعواطف لإتمام عمليات التداول بنجاح. وفي هذه المقالة سنتحدث عن أبرز المخاطر العاطفية التي يتعرّض لها المتداولون ونقدم استراتيجيات مناسبة للتخلص منها.

مكائد المتداولين العاطفية

تتمحور المشاعر الثلاثة الرئيسة، والتي في أغلب الأحيان تسبب الوقوع في الخطأ في تداول العملات المشفرة، حول ظاهرة FOMO (الخوف من تفويت الفرصة)، والذعر والطمع. وفهم كيفية تأثير الأمور هذه على التداول تقي من المخاطر الشائعة وتساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة بشكل سليم.

FOMO

FOMO: هي ظاهرة نفسية حيث يراود المتداولون شعور بالخوف من فوات فرصة مربحة في السوق. ويحدث ذلك حين يرتفع سعر عملة مشفرة ما بسرعة فيراود المتداول شعور بالشك بشأن صحة قراره بعدم إتمام صفقة مناسبة. وتحت تأثير FOMO قد يدخل المتداولون إلى السوق بشكل متهور دون تحليل الوضع ولا اتباع خطة مناسبة في التداول. وفي أغلب الأحيان يؤدي ذلك إلى شراء عملة بسعر عال حين يكون أصل رقمي في ذروة الشراء، وبالتالي إلى الخسارة لاحقًا حين يرجع السعر إلى طبيعته.

وقد تسبب FOMO أيضًا تفاعلاً متسلسلاً حين ينكبُّ المتداولون على شراء أصول رقمية بشكل جماعي، فيصطنعون بذلك تقلبات فقاعية. من المهم أن نتذكر أن ضياع الفرص جزء لا يتجزأ من مجال التداول. إن وضع خطة واضحة للتداول والالتزام بها يفيد في التخفيف من حدة الـ FOMO أثناء اتخاذ القرار.

الذعر

رد انفعالي على تغيير الأسعار بشكل مفاجئ أو على أخبار سيئة قد يدفع المرء إلى بيع أصول رقمية على وجه السرعة، وهذا ما يتمحور حوله الذعر. فحين يلاحظ المتداولون انخفاضًا في الأسعار، فقد يراودهم شعور بالخوف والقلق، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات متهورة فيبيعون أصولهم دون دراسة الأوضاع. وفي أغلب الأحيان يؤدي ذلك إلى خسائر أكبر عند الانسحاب من المراكز في اللحظات غير المناسبة بتاتًا.

وقد تكون نوبات الذعر مدمرة بشكل خاص في ظروف السوق المتقلبة حين تتقلب أسعار الأصول الرقمية رأسًا على عقب. وتفاديًا لها، على المتداولين تحديد أوامر وقف الخسائر مقدمًا والالتزام بخطة موضوعة مسبقًا. فالإدراك بأن تقلّب الأسعار جزء طبيعي من مجال التداول يكون مفيدًا للحفاظ على هدوء الأعصاب في ظروف الأزمة.

الطمع

الطمع: وجه آخر لنهاية المطاف، وقد يؤدي إلى ارتكاب أخطاء جسيمة في التداول. فحين يلاحظ المتداولون أن سعر أصل آخذ في الارتفاع، فقد يظهر عندهم بصيص من الأمل في تحقيق أرباح أكبر حفاظًا على مراكزهم لفترة طويلة جدًا. وبالتالي، يفوتون فرص مربحة وقد ينتهي بهم الأمر في خسارة جميع الأرباح بعد انخفاض حاد في السعر.

وقد يؤدي الطمع أيضًا إلى وضع المتداولين رهانات كبيرة، مما يزيد من حدة المخاطر ويؤدي إلى خسائر جسيمة. فعلى المتداولين أن يكونوا قادرين على التوقف في الوقت المناسب والانسحاب من الصفقة محققًا الربح بدلاً من ترقب ارتفاع السعر إلى عنان السماء.

وفي كثير من الأحيان يدمن المتداولون إنجازاتهم أو إخفاقاتهم، فيراودهم شعور بالتوتر مصطحبًا بقرارات سيئة. فالشعور بـ "حرارة زائدة في كف اليد" قد يؤدي إلى دخول المتداول في صفقات كثيرة منحرفًا عن الاستراتيجية. بالتالي، من المهم أن نتذكر أن تحقيق النجاح في مجال التداول لا يقتصر على الصفقات الناجحة فحسب، بل يعني أيضًا القدرة على تقبُّل الخسارة. وتطوير خطة واضحة للتداول مع قواعد الدخول والانسحاب تفيد في التخفيف من تأثير العواطف في مجال التداول.

استراتيجية إدارة العواطف

الخطوة الـ 1: تطوير خطة تداول واضحة

خطة التداول هي أساس التداول الناجح. ويجب أن تشمل وصفًا لاستراتيجيات التداول، ومعايير دخول الصفقات والانسحاب منها، وخطوات إدارة المخاطر. وتوافر خطة من هذا القبيل تمكِّن المتداول من التصرُّف وفق قواعد محددة مسبقًا، مقللاً بشكل كبير احتمالية اتخاذ قرارات انفعالية متهورة. ففي النهاية، حين يكون عند المتداول خطة واضحة، فهو يكون أقل عرضة لتأثير الانفعالات. فمثلاً، إذا يشهد السوق تقلبات فيكون بإمكان المتداول أن يرجع إلى خطته متبعًا القواعد المذكورة بها بدلاً من الإصابة بنوبات الذعر واتخاذ القرار تحت تأثير المشاعر المتغلبة عليه. كما تساعد الخطة هذه في الحفاظ على هدوء الأعصاب وتطوير الثقة بالنفس، وبالتالي تُمكّن المتداول من التركيز على الأهداف طويلة المدى وليس على تقلبات السوق قصيرة المدى.

الخطوة الـ 2: تحديد أوامر وقف الخسارة

وقف الخسائر هي عبارة عن أوامر تلقائية تفيد في الحد من الخسارة في ظل تقلّب الأسعار بشكل غير مواتي. وتحديد أوامر وقف الخسائر ترمي إلى حماية رأسمال المتداول وتعزله نفسيًا. مع العلم بأن هناك حماية في هيئة أمر وقف الخسارة يسع للمتداول أن يتفاعل مع تقلبات السوق بدون انفعالات حادة.

كما أن أوامر وقف الخسائر تقي من نوبات الذعر. فإذا أخذ سعر أصل ما في الانخفاض بشكل حاد، فلن يتغلب على المتداول شعور بالخوف والقلق طالما لديه أمر وقف الخسارة لأنه يقيه من الانسحاب من الصفقة مسبقًا. وتفيد الأوامر هذه في المحافظة برأس مالكم ومواصلة الالتزام بخطة التداول خاصتكم تفاديًا للصدمات العاطفية.

الخطوة الـ 3: تثبيت الأرباح

تثبيت الأرباح: هي عملية إغلاق مركز محدد بعد تحقيق مستوى معيَّن من الدخل فيه. وهي مفيدة للمتداولين في وضع أهداف من أجل تحقيق الربح وتفادي الوقوع فريسة للطمع، والذي غالبًا ما يصبُ في الاحتفاظ بمراكز لفترة طويلة جدًا أملاً في تحقيق المزيد والمزيد من الأرباح فيها. فحين يحدد المتداول مسبقًا مستوى معيَّن للربح وبعد ذلك ينسحب من الصفقة فإنه بذلك يتفادى إغراء ترقب الظروف المثلى، والتي قد لا تأتي أبدًا.

كما أن تثبيت الأرباح يبقيكم مطمئنين نفسيًا. فحين يرى المتداول أن جهوده تؤتي ثمارها، فإن ذلك يعزز من الثقة بالنفس ويحثه على المضي قدمًا. كما أن تحقيق الأرباح بصفة منتظمة تمكِّن المتداول من معاودة استثمارها أو الاستفادة منها في احتياجات أخرى، وهذا أيضًا يساعد في التخفيف من حدة التوتر والضغوط المتعلقة بمجال التداول.

إضافةً لما ورد من الخطوات، فإن تنويع المحفظة الاستثمارية أمر بالغ الأهمية كونه يرمي إلى تقليل المخاطر ويقيكم من الاعتماد بشكل مفرط على مركز معيَّن. ومن الأمور المفيدة أيضًا: مواصلة تعلّم الأمور الجديدة ومتابعة رأي المتداولين المحنكين والانضمام إلى مجموعات معنية بالتداول. كما أن تبادل الخبرات ومناقشة المشاعر المرتبطة بمجال التداول أيضًا قد تخف الشعور بالعزلة ويفيد في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية.

للمشاعر دور حيوي في تداول العملات المشفرة، والوقوع فريسة لها قد يؤدي إلى أخطاء وخسائر فادحة. ومع ذلك، تمكِّن الخطوات المذكورة في هذه المقالة المتداولين من التقليل من شدة التأثر بها واتخاذ قرارات رشيدة وسليمة. كما تساعد الأدوات هذه في وضع نهج منتظم في التداول معززًا شعور بالهدوء والثقة بالنفس في ظل ظروف غير معروفة في السوق. وفي نهاية المطاف، تحقيق النجاح في التداول لا يقتصر على استراتيجيات وتحليلات فحسب، بل يتعلق أيضًا بالقدرة على التحكم بالمشاعر ملتزمًا بقواعد موضوعة مسبقًا.

وتذكروا أن مجال التداول لا يتعلق بتحقيق الربح فحسب، بل يتعلق أيضًا بالتعلُّم والوعي الذاتي وتطوير الذات. والمتداولون الناجحون يتفهمون أن التحكم بالمشاعر التي تراودهم جزء لا يتجزأ من استراتيجيتهم، وهذا ما يقيهم من التردد ويجعلهم واثقين بأنفسهم مهما اختلفت الظروف.