في السنوات المؤخرة تلفت تكنولوجيا البلوكتشين مزيد من الاهتمام من طرف مختلف الصناعات، والخدمات اللوجستية لم تستثنى من ذلك. تتطلب سلاسل توريد معقدة متعددة الأطراف، بدءًا من موردي الخامات وصولاً إلى المستهلك النهائي، درجة عالية من الشفافية والموثوقية. توفر تكنولوجيا البلوكتشين حلاً قادرًا على زيادة كفاءة هذه العمليات وشفافيتها إلى حد كبير. في هذه المقالة سنلقِ نظرة على عملية التحوّل التي تحدثها البلوكتشين في الخدمات اللوجستية ومزاياها.
الشفافية والقدرة على التتبع
من أبرز مزايا البلوكتشين قدرتها على ضمان شفافية في جميع مراحل سلسلة توريد. يتم تثبيت كل معاملة في البلوكتشين وتكون متاحة لجميع أطراف الشبكة. وهذا يسمح بتتبع حركة بضائع "لحظة بلحظة". والنقطة هذه مهمة جدًا عندما يتعلق الأمر بالسلع التي تخضع لقيمة مضافة عالية أو سلع ذات معايير جودة صارمة، مثل المنتجات الغذائية أو المستحضرات الطبية.
تُمكِّن البلوكتشين الشركات من التحقق من سلامة منتجاتها بسهولة، مع ضمان الجودة للعملاء. فمثلاً، يكون بإمكان المستهلك تتبع حركة ثمار الأفوكادو من المزرعة إلى المتجر والتأكُّد من إتمام جميع الفحوصات اللازمة وتسليمها بدون أيَّ مخالفات.
إليكم مثال حي. تطبق شركة Walmart، والتي تعد من كبرى شركات البيع بالتجزئة في العالم، تكنولوجيا البلوكتشين للارتقاء بتجربة تتبع المنتجات الغذائية. مستخدمًا تكنولوجيا Hyperledger Fabric قامت الشركة بإنشاء نظامًا يُمكِّن من تتبع حركة السلع من المزارع إلى رفوف المتاجر. وهذا لا يؤدي إلى زيادة مستوى الشفافية في سلسلة التوريد فحسب، بل يقللُّ أيضًا، وبشكل كبير، الوقت اللازم لاكتشاف مصدر مشكلة في حال التلوث أو خطر آخر. وبالتالي، قلَّصَت Walmart الوقت اللازم لتتبع منتجاتها من سبعة أيام إلى ثانيتين؛ وهذا يعد إنجازًا كبيرًا في مجال سلامة الغذاء.
التخلُّص من الوسطاء
تسمح تكنولوجيا البلوكتشين بتقليل عدد الوسطاء في سلسلة توريد. تقليديًا، تتطلب العديد من العمليات، من مثل تأكيد سلامة معاملات ومراجعة مستندات، أطرافًا ثالثة، مما يزيد التكاليف والوقت لإنجاز أمور. بفضل التكنولوجيات اللامركزية بات بإمكان جميع الأطراف التفاعل مع الأمر بشكل مباشر، مما يصبُ في سرعة إنجاز العمليات ومقللاً التكاليف إلى حد كبير. فمثلاً، بدلاً من مراجعة فرع بنكي لإتمام عملية دفع بإمكان الشركات استخدام العقود الذكية، والتي تقوم بتنفيذ شروط المعاملة تلقائيًا بمجرد الوفاء بها. وهذا يسمح بتقليل نسبة المخاطر وتعزيز الثقة بين الأطراف.
ومن الأمثلة على تقليل الوسطاء في سلسلة توريد يجوز ذكر شركة Maersk الرائدة عالميًا في شحن الحاويات، والتي قامت بتطوير منصة TradeLens القائمة على البلوكتشين بالتعاون مع IBM. تمكِّنُ المنصة هذه جميع الأطراف في سلسلة توريد (مقدمي خدمات الشحن، الموانئ وشركات النقل) من تبادل بيانات السلع لحظة بلحظةٍ بشكل شفاف وموثوق مقللاً نسبة التلاعب بها وتيسيرًا لمعالجتها. وأكثر من 175 ميناء ومحطة قامت بدمج المنصة، مما يجعلها واحدة من كبرى مشاريع البلوكتشين في عالم الخدمات اللوجستية.
الارتقاء بالأمان وتقليل المخاطر
توفر تكنولوجيا البلوكتشين مستوى عال من أمان البيانات نظرًا لطبيعتها اللامركزية حيث إن كل سجلّ فيها يكون محميًا تشفيريًا، مما يجعل تزويرها أمرًا شبه مستحيلًا. والنقطة هذه مهمة جدًا في الخدمات اللوجستية، حيث إن عواقب تزوير المستندات أو البيانات إلى قد تكون وخيمة جدًا.
كما أن تكنولوجيا البلوكتشين تمكننا من تقليل المخاطر المتعلقة بفقدان السلع أو تلفها. تتيح أنظمة التتبع لحظة بلحظة بالاستجابة مع مشكلات مختلفة من التأخير إلى التلف على وجه السرعة، مما يساهم في تفادي خسائر جسيمة.
تستخدم شركة FedEx، والتي تعد من كبرى شركات البريد السريع حول العالم، تكنولوجيا البلوكتشين للارتقاء بكفاءة عملياتها اللوجستية. وتدرس الشركة إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا من أجل تتبع الشحنات لحظة بلحظة وإدارة مستندات. تسمح تكنولوجيا البلوكتشين بإنشاء سجل موحد مقاوم للتلاعب في كل مرحلة من مراحل حركة السلع، مما ييسر عملية تتبعها ويقلل من خطر فقدانها. وتنوي FedEx بمساعدة البلوكتشين الارتقاء بتجربة التفاعل مع العملاء من خلال إفادتهم ببيانات محدثة عن شحنتهم.
أيضًا، تستخدم شركة كوكا كولا تكنولوجيا البلوكتشين للارتقاء بسلسلة توريد لديها وبمستوى الشفافية في التفاعل مع الموردين. باستخدامها تستطيع الشركة تتبع مصادر الخامات وعمليات الإنتاج في مراحلها كافة، مما يؤدي إلى الارتقاء بجودة منتجاتها، ويضمن الامتثال لمعايير التنمية المستدامة. تفيد البلوكشين شركة كوكا كولا في تعزيز الثقة مع المستهلكين بعد الاطمئنان من الامتثال لمتطلبات الجودة العالية والطبيعة الأخلاقية في المنتجات التي يشترونها.
تيسير العمليات وإدارة المخزون
في وسع استخدام تكنولوجيا البلوكتشين للارتقاء بإدارة المخزون ومختلف العمليات اللوجستية إلى حدٍ كبير. تفيد الأنظمة اللامركزية الشركات بمعلومات حديثة عن حالة مخزونها والحاجة إلى سلع معينة. يمكننا هذا من الارتقاء بإدارة المخزون تفاديًا نقصها أو توريد كميات مفرطة منها. وكذلك دمج تكنولوجيا البلوكتشين مع حلول تكنولوجية أخرى مثل إنترنت الأشياء (IoT) قد يصبُ في إنشاء أنظمة قوية لأتمتة العمليات. مثلاً، تستطيع أجهزة الاستشعار في حاويات إفادتنا بدرجة الحرارة والرطوبة لحظة بلحظة مع إمكانية تثبيت كل التفاصيل تلقائيًا في البلوكتشين، مما يضمن الشفافية والإدارة على أفضل وجه ممكن.
مثال آخر. تستخدم شركة Provenance (شركة ناشئة، تستخدم البلوكتشين لتتبع مصدر سلع) منصة التي تسمح للمصنعين والعلامات التجارية بتوثيق تفاصيل عملية الإنتاج والتبادل بها، وكذلك تفاصيل ظروف العمل وأثرها على البيئة. هكذا تُمكِّن الشركة المستهلك من الاطلاع على تفاصيل منشأ منتجاتها وتصنيعها، مما يساعد على اتخاذ خيارات أكثر استنارةً. تقي البلوكتشين من التلاعب بالبيانات، وهي نقطة مهمة جدًا بالنسبة للعلامات التجارية التي تسعى إلى تحقيق الشفافية.
مستقبل البلوكتشين في اللوجستيات
بغض النظر عن المزايا من تطبيق البلوكتشين في اللوجستيات، إلا أن التكنولوجيا تواجه عددًا من التحديات. فالحاجة إلى توحيد المعايير وإمكانية التكامل مع الأنظمة الراهنة وتدريب الكادر الوظيفي على تشغيلها ليست إلا أمثلة قليلة عنها. ومع ذلك، تفتحت شركات عديدة على إمكانات هذه التكنولوجيا والاستثمار في تطويرها.
تكنولوجيا البلوكتشين أداة قوية قادرة على تغيير مشهد الخدمات اللوجستية وإدارة سلاسل التوريد إلى حد كبير. تعزيز الشفافية وتقليل المخاطر والارتقاء بالعمليات كلها مزايا التي تجعل البلوكتشين حلاً تلتفت إليه الشركات التي تسعى إلى تعزيز كفاءتها وقدرتها التنافسية. وفي الأيام، التي نحياها، تستفيد الشركات من تنفيذ هذه التكنولوجيا، وفي نفس الوقت تضع حجر الأساس لضمان النجاح في المستقبل.