Web3، أو الجيل الثالث من الإنترنت، هو عبارة عن شبكة لامركزية قائمة على تكنولوجيا البلوكتشين. ومن المتوقع أن يحدث Web3 تحوّلاً كبيرًا في صناعات عديدة، وصناعة الألعاب لا تُستثنى من ذلك. في هذه المقالة سنلقِ نظرة على عملية التحوّل التي تحدثها Web3 في آليات الألعاب التقليدية وعلى الفرص الجديدة للمطورين واللاعبين، إضافةً للتحديات أمام هذه الصناعة.
ما هو Web3؟
Web3 — مفهوم يشمل التطبيقات اللامركزية (dApps) والعقود الذكية والعملات المشفرة. تتلخص الفكرة الرئيسية في تمكين المستخدمين من إدارة بياناتهم وأصولهم تمكينًا كاملاً. وفي إطار صناعة الألعاب، هذا يعني أنه اللاعبين بإمكانهم امتلاك أصول شخصية داخل لعبة، وللمطورين – القدرة على إنشاء ألعاب أكثر شفافية وأمانًا.
تاريخ الألعاب Web3
شهدت شبكة الإنترنت تغيُّرات جذرية منذ ظهورها، وأبرز فروع تطور الإنترنت صار Web3، الذي أتى بابتكارات عديدة في عالم الألعاب.
انطلقت أوّل تجارب مع ألعاب البلوكتشين في أوائل عام 2000. لكن صَيت الألعاب Web3 لم يُذاع إلا حتى عام 2017 مع ازدياد استخدام العملات المشفرة والبلوكتشين. صارت اللعبة CryptoKitties من أوّل الألعاب التي نجحت في استخدام تكنولوجيا البلوكتشين. يجمع المستخدمون في اللعبة قطط افتراضية ويتبادلون بها. وكل قطة كانت مميّزة بفضل تكنولوجيا NFT (الرموز غير القابلة للاستبدال). بيَّنَّ نجاح اللعبة CryptoKitties إمكانات البلوكتشين في صناعة الألعاب لافتًا انتباه المطورين واللاعبين إليها على حدٍ سواء.
ومنذ عام 2020 تطورت ألعاب Web3 بشكلٍ رهيب، فظهرت منصات التي استخدمت آليات التمويل اللامركزي (DeFi) من أجل إنشاء اقتصادات داخل ألعاب. ذاع صيت المشاريع من مثل Axie Infinity وDecentraland وThe Sandbox لأنها وحدت تجربة اللعب مع إمكانية تحقيق دخل. فمثلاً، مكَّنت اللعبة Axie Infinity لاعبيها من كسب عملة مشفرة من المشاركة في قتالات وتطوير مخلوقات رقمية.
وفي الأيام التي نحياها لا تتوقف عجلة تطوير الألعاب Web3 عن الدوران. فالمطورين يبحثون عن طرق تكامل جديدة لتكنولوجيا البلوكتشين من أجل تقديم تجارب خلابة وشموليَّة للاعبين. وتظهر آليات جديدة من قبيل Play-to-Earn (العب لتكسب)، التي تمكِّن اللاعبين من كسب مكافآت حقيقية لِقاء وقتهم ومجهودهم في اللعبة.
اللعب Web3 والألعاب Web2: ما أوجه الاختلاف بينهما؟
- اللامركزية
من أبرز الاختلافات بين اللعب Web3 والألعاب Web2 هو اللامركزية. ففي Web2 يعتمد اللاعبون على الخوادم والشركات المركزية التي تدير عملية اللعب والبيانات والاقتصاد. أما في الألعاب Web3 البيانات تُختزَن على البلوكتشين، مما يجعلها أكثر شفافية وأمانًا. وبإمكان اللاعبين امتلاك أصول شخصية وإدارة بياناتهم.
- المميزات والأصول
في الألعاب Web2 تكون الأصول الافتراضية من مثل سكِينات وغيرها من العناصر خاصة بالمطورين. بإمكان اللاعبين استخدامها، لكن لا يجوز لهم لا بيعها ولا نقلها. في حين أن الألعاب Web3 تمكِّن لاعبيها من امتلاك أصول حقيقية في شكل الرموز غير القابلة للاستبدال وبيعها وتداولها واستخدامها في مشاريع أخرى، مما يخلق فرصًا جديدة للتفاعل ونَقدَنة المشاريع.
- المشاركة في اقتصاد اللعبة
تقدّم الألعاب Web3 آليات Play-to-Earn في كثير من الأحيان، مما يسمح للاعبين بكسب عملة مشفرة من أفعال معينة داخل لعبة. يتناقض هذا بشكل صارخ مع الألعاب Web2 حيث من المعتاد أن ينفق اللاعبون نقودهم في إطار عمليات شراء داخل لعبة وفي المقابل لا يحصلون على أي شيء. وفي Web3 بإمكان اللاعبين المشاركة في اقتصاد اللعبة والحصول على مكافآت لقاء مجهودهم.
- المجتمع والإدارة
يركز اللعب Web3 على إشراك المجتمع واللاعبين في إدارة المشروع. تحتوي ألعاب عديدة على منظمات مستقلة لامركزية (DAOs) التي تسمح اللاعبين بالتصويت على التغيُّرات وتطوير اللعبة. وفي Web2 يتَّخذ المطورون قراراتهم دون مراعاة رأي اللاعبين؛ ما قد يصبُ في عدم رضاهم وفقدان اهتمامهم بها.
إلا أن وجه الاختلاف الأهم بين الألعاب Web2 والـ Web3 يتمحور في فلسفتهما: فالأولى مبنية على الإدارة المركزية، والثانية على التفاعل اللامركزي.
تمثل الألعاب Web3 عصرًا جديدًا في صناعة الألعاب القائمة على تكنولوجيا البلوكتشين، فهي توفِّر للاعبين القدرة على امتلاك الأصول الشخصية، وتمكنهم من إدارتها لامركزيًا مقدّمًا أشكال جديدة للتفاعل. وبينما تركز الألعاب Web2 على المنصات المركزية ونماذج الأعمال تقدّمُ Web3 فرصًا وتحديات جديدة كليًا.
أنواع الألعاب Web3
- تمكِّن الألعاب مع NFT اللاعبين من امتلاك أصول رقمية مميّزة، مثل شخصيات أو سكِينات أو عناصر داخل لعبة في هيئة الرموز غير القابلة للاستبدال (Axie Infinity وCryptoKitties).
- تمكِّن آلية الألعاب من النوع العب لتكسب (P2E) اللاعبين من كسب نقود حقيقية أو عملة مشفرة (Stepn وDecentraland).
- بإمكان اللاعبين المشاركة في إدارة المشروع عبر منظمات مستقلة لامركزية (DAOs)، وهذا يخوّلهم للتصويت على التغيُّرات والابتكارات أو حتى المشاريع المُراد إطلاقها. وهذا، بحد ذاته، يسهمُ في بناء مجتمع حيث تتخذ القرارات جماعيًا (ومثال عنها اللعبة Illuvium).
- تمكِّن التكنولوجيا Web3 من إنشاء ألعاب ذات تفاعل متعدد المنصات، حيث يجوز أن تنتقل الأصول بأنواعها بين ألعاب ومنصات مختلفة. وهذا، بحد ذاته، يؤدي إلى إنشاء نظام بيئي، الذي يُمكِّن اللاعبين من الاستفادة من إنجازاتهم في مشاريع مختلفة.
- تمكِّن ألعاب العوالم الافتراضية اللاعبين من إنشاء مساحات افتراضية خاصة بهم وإدارتها وتطويرها. وبإمكانهم شراء الأراضي الافتراضية وبيعها وبناء عمارات والتفاعل مع لاعبين آخرين (مثال: Sandbox وSomnium Space).
ما التغيُّرات التي تجلبها Web3
إمكانية امتلاك الأصول
من أهم التغيُّرات التي تجلبها Web3 هي القدرة على امتلاك أصول اللعبة امتلاكًا تامًا. ففي الألعاب التقليدية يشتري اللاعبون عناصر مختلفة، لكنهم لا يمتلكونها حقًا. تتيح Web3 رَمزَنة هذه الأصول باستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال، مما يمنح اللاعبين حق امتلاكها والقدرة على تداولها في الأسواق المفتوحة.
ألعاب كاستثمارات
تُغيّر Web3 نهج الألعاب محولاً إياها إلى فرص محتملة للإستثمار. بإمكان اللاعبين كسب توكنات من المشاركة في جلسات الألعاب وبناء اقتصاد جديد بداخلها. وتبيّنُ المشاريع من مثل Axie Infinity أنه بإمكان اللاعبين تحقيق دخل من مهاراتهم في اللعب ومن الوقت المستغرق عليها.
إنشاء آليات لعب مميّزة
بإمكان المطورين إنشاء ألعاب بآليات فريدة بناءً على البلوكتشين. فمثلاً، بإمكانهم تنفيذ عناصر لعبة التي تعتمد على التفاعل بين اللاعبين والعقود الذكية.
التمويل عن طريق التمويل الجماعي
يفتح Web3 طرقًا جديدة لتمويل مشاريع. بإمكان المطورين الاستفادة من التمويل الجماعي بالعملات المشفرة لجمع المبلغ المطلوب لإنشاء ألعاب مقللاً اعتمادهم على المستثمرين والناشرين التقليديين.
مشاريع محورها مجتمع
يمكن بناء مشاريع الألعاب على أن تتمحور حول مجتمع حيث يشارك اللاعبون في تطويرها وإدارتها. ويؤدي هذا إلى إنشاء صلة أعمق بين المطورين واللاعبين، مما قد يصبُ في ظهور ألعاب أكثر نجاحًا وطلبًا عليها.
عراقيل تنفيذ Web3 على نطاق واسع في صناعة الألعاب
بغض النظر عن آفاق هذه التكنولوجيا، إلا أن الألعاب Web3 تواجه عددًا من العقبات التي قد تُعقّد تنفيذها على نطاق واسع.
هكذا، لاعبون كثر لا يزالون يواجهون صعوبة في فهم تكنولوجيا البلوكتشين والعملات المشفرة. الحاجة إلى إنشاء محافظ، إدارة المفاتيح الخاصة، وفهم تفاصيل الرموز غير القابلة للاستبدال... كلها مواضيع مقلِقة بالنسبة للمستخدمين الأقل خبرة. ليس هناك نهج موحّد لتطوير الألعاب في Web3. منصات مختلفة قد تستخدم بروتوكولات ومعايير مختلفة التي تصعّب التفاعل بين الألعاب.
كما أنَّ النماذج من النوع Play-to-Earn يمكن أن تكون غير مستقرة وتعتمد على الطلب على الرموز غير القابلة للاستبدال. وهذا، بدوره، قد يؤدي إلى ظهور محاولات التلاعب بها والفقاعات فيها، مما يجعل الاستثمار في الألعاب هذه محفوفًا بالمخاطر. كما تواجه شبكات بلوكتشين عديدة مشكلات التوسعة، مما قد يؤدي إلى بطء معالجة المعاملات وارتفاع نسبة العمولة، بالأخص خلال أوقات الذروة.
لا شكَّ أن الألعاب Web3 تفتح آفاقًا جديدة في صناعة الألعاب وتقدم فرصًا فريدة للاعبين والمطورين. إلا أن تنفيذها على نطاق واسع مُشترَط بالتَّغلُّب على عدد من التحديات الفنية والاقتصادية والتنظيمية. ومع مرور الوقت والتقدم التكنولوجي وتغيّر النهج في تطوير الألعاب، قد يصبح Web3 جزءًا لا يتجزأ من مستقبل صناعة الألعاب.