لا تزال عملة البيتكوين تحتفظ بالمكانة الرئيسة بصفتها أول عملة مشفرة وأكثرها شهرة لدى المستثمرين والمحللين على حد سواء. فمنذ أن ظهرت عملة البيتكوين في العام 2009 شهد سعرها تقلبات كبيرة، مما جعله موضوعًا للعديد من التوقعات والتكهنات. في هذه المقالة سنلقِ نظرة على العوامل الرئيسة التي تؤثر على سعر البيتكوين، وسنقوم أيضًا بتحليل توقعات مستقبلية مختلفة.
إن التنبؤ بسعر البيتكوين مهمة تجتذب المستثمرين المؤسسيين ومتداولي التجزئة على حد سواء. بالرغم من أن الأدوات والنماذج التحليلية آخذة في التزايد، إلا أن التنبؤ بالطابع المتقلب لسوق العملات المشفرة لا يزال صعبًا. إن تنوع التوقعات، من المتحفظة إلى المتفائلة للغاية، يعكس صعوبة التحليلات وتفسير بيانات ذات صلة تفسيرًا ذاتيًا. في هذه المقالة سنلقِ نظرة على عدد من التوقعات المعروفة وسنقوم بتقييم المنهجيات التي تبنى عليها تقييمًا نقديًا.
كيف تَغيَّرَ سعر البيتكوين خلال السنوات العشر الماضية؟
في العام 2013 شهد سعر البيتكوين ارتفاعًا ملحوظًا. ففي بداية العام كان سعر العملة حوالي 13 دولارًا، وبحلول الشهر ديسمبر وصل السعر إلى 1.200 دولار تقريبًا. ظهرت موجة الارتفاع تلك من زيادة الاهتمام من طرف المستثمرين والمستخدمين الجدد. لكن تعذر استمرار موجة الارتفاع السريع تلك إلى ما لانهاية ليشهد سعر العملة انخفاضًا حادًا في أوائل العام 2014. وفي بداية العام 2015 انخفض سعر العملة إلى حوالي 3.00 دولار.
بعد أن استقر سعر العملة نسبيًا لعدة سنوات في نطاق 4.00 و1.000 دولار شهد سعرها زخمًا في العام 2016. وبحلول منتصف العام 2017 تجاوز سعر العملة 2.500 دولار. ومن الأمور التي ساهمت في ذلك هي انتشار تقنيات البلوكتشين وزيادة الاهتمام من طرف المستثمرين المؤسسيين والأخبار الإيجابية عن تقنين العملات المشفرة في بعض البلدان.
بدأت عملة البيتكوين تجذب الاهتمام مجددًا في العام 2020 في إطار انتشار جائحة كوفيد-19 وتنفيذ تدابير الدعم الاقتصادي. وبحلول نهاية العام ذاته تجاوز سعر العملة 29 ألف دولار نتيجةً للاهتمام المتزايد من طرف المستثمرين المؤسسيين وزيادة الطلب على "الأصول الآمنة".
استمر ارتفاع سعر البيتكوين في بداية العام 2021 محققًا أعلى مستوى على الإطلاق عند 64 ألف دولار في الشهر أبريل من العام عينه. وقد ساهم اهتمام كبرى الشركات من مثل تيسلا وسكوير واستثمار قياسية من طرف المستثمرين المؤسسيين في تعزيز موجة الارتفاع. لكن سرعان ما تبع ذلك حركة تصحيحية لينخفض السعر ثانيةً إلى حوالي 30 ألف دولار في موسم الصيف للعام 2021.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية شهد سعر البيتكوين تغييرات كبيرة ويشير التقدم الديناميكي هذا إلى تقلبات حادة في سوق العملات المشفرة وحساسيته للعوامل الخارجية. بالرغم من التقلبات بأنواعها لا تزال عملة البيتكوين من أهم الأصول التي تلفت انتباه المستثمرين الأفراد والمؤسسيين على حد سواء. لطالما اعتمد سعر العملة على عوامل كثيرة بدءًا من الاقتصادية إلى التكنولوجية والرأي العام.
طرق مختلفة للتنبؤات
يجوز تقسيم التنبؤات إلى عدة فئات حسب المنهجيات المستخدمة فيها:
- التحليل الأساسي
يركز هذا المنهج على عوامل داخلية التي تؤثر على قيمة الأصل، مثل الطلب والعرض تبني الحلول التكنولوجية وأساليب تنظيمها وإلخ. ومن الأمثلة عن ذلك نموذج المخزون والتدفق الذي روّجه المحلل "بلان بي". ويستند النموذج إلى نسبة المعروض الجاري من البيتكوين إلى إصدارها السنوي.
- التحليل الفني
وهو يركز على تحليل سجل معطيات الأسعار وأحجام التداول من أجل تحديد الأنماط والترندات. يستخدم هذا المنهج مؤشرات مختلفة ونماذج جرافيكس للتنبؤ بحركة الأسعار في المستقبل.
- التحليل المقارن
وهو تحليل الذي يقارن البيتكوين بفئات الأصول الأخرى، مثل الذهب أو أسهم الشركات التكنولوجية من أجل تحديد قيمتها المحتملة.
- نماذج هجينة
وهو يجمع بين أساليب مختلفة من أجل تشكّل توقعات أكثر شمولاً.
التحليل النقدي للتنبؤات
لا بد أن نفهم أن أي توقعات، بغض النظر عن نوع المنهجية المستخدمة فيها، لا تضمن نتائج معينة في المستقبل حيث إن سوق العملات الرقمية يتأثر بعوامل عديدة، بما في ذلك بظروف الاقتصاد الكلي والأحداث الجيوسياسية وإجراءات الجهات الرقابية.
فمثلاً، بالرغم من أن النموذج المخزون والتدفق يعد شعبيًا إلا أنه يتعرّض لانتقادات لأنه يعكس ديناميكيات السوق بشكل مبسّط. يستخدم النموذج الاقتصادي هذا من أجل تحليل معدلات الافتقار إلى العملات المشفرة. تقوم الفكرة الرئيسة في النموذج على النسبة بين مخزون العملات المستخرجة (المخزون) وإنتاجها السنوي (التدفق). وكلما كانت النسبة أعلى اعتبر أصل معيّن نادرًا أكثر. بالنسبة للبيتكوين، مثلاً، يقتصر الحد الأقصى للعملات التي يمكن استخراجها على 21 مليونًا، مما يجعلها عملة ذات قيمة فريدة في ظروف الطلب المتزايد. مع تقليص مكافأة التعدين (ما يُعرف بعملية التنصيف)، يفترض النموذج بأن سعر البيتكوين سوف يرتفع بشكل ملحوظ ردًا على انخفاض المعروض منه.
يدعي أنصار نموذج المخزون والتدفق أن النموذج يستطيع التنبؤ بسعر البيتكوين بدقة عالية بناءً على سجل المعطيات والترندات. في حين يشير النقاد إلى أن سوق العملات المشفرة متقلب جدًا ولا يخضع للنماذج الاقتصادية التقليدية، يظل S2F أداة شائعة لتحليل الأسعار والتنبؤ بها. يستعين مستثمرين كثيرين بهذا النموذج لاتخاذ قرار عند شراء الأصول أو بيعها بناءً على توقعات النموذج حول الافتقار إليها في المستقبل، وبالتالي، ارتفاع سعرها. لا يأخذ نموذج المخزون إلى التدفق بعين الاعتبار عوامل من قبيل تغيير الطلب، والتنافس مع عملات مشفرة أخرى، وتأثير محتمل من الإجراءات التنظيمية. والتحليل الفني يكون مفيدًا للتنبؤات قصيرة المدى فحسب؛ إلا أن فعاليته على المدى الطويل أمر مشكوك فيه. في أحيان كثيرة يحمل تفسير الأنماط الجرافيكس طابعًا ذاتيًا، وقد يتوصل محللون مختلفون إلى استنتاجات مختلفة.
كما تجدر الإشارة إلى توقعات الشخصيات الشهيرة من عالم العملات المشفرة. يجب ألا ننسى أن هذه التوقعات تعتمد على الرأي الشخصي في أغلب الأحياة وقد تكون متحيّزة. إليكم آخرها:
- بيتر براندت: 135 ألف دولار بحلول العام 2025.
- تيم دريبر: 250 ألف دولار بحلول العام 2025.
- روبرت كيوساكي: 500 ألف دولار بحلول العام 2025.
- بلان بي: 400 ألف دولار بحلول العام 2026.
- آرثر هايز: 750 ألف دولار بحلول العام 2026.
- مايكل نوفوغراتز: 500 ألف دولار بحلول العام 2028.
- تايلر وينكلفوس: 500 ألف دولار بحلول العام 2030.
- كاثي وود: مليون دولار بحلول العام 2030.
- مايكل سايلور: 13 مليون دولار بحلول العام 2045.
العوامل المؤثرة على سعر البيتكوين
- العرض والطلب
مثل أي أصل آخر، يتم تحديد سعر البيتكوين حسب العرض والطلب. يتشكل الافتقار عند توافر كمية محدودة من العملة (أقصاها 21 مليونًا)، مما قد يساهم في ارتفاع الأسعار في ظل زيادة الطلب.
- التغييرات التنظيمية
القوانين والتشريعات المتعلقة بالعملات المشفرة قد تؤثر بشكل كبير على السوق. فمثلاً، قد يؤدي خبر إيجابي عن تقنين العملات المشفرة في كبرى الاقتصادات إلى ارتفاع سعرها، في حين أن إدخال قيود تنظيمية صارمة بشأنها قد يؤدي إلى انخفاض سعرها.
- التغيرات التكنولوجية
تقدم الحلول التكنولوجية المتعلقة بالبيتكوين من مثل الارتقاء بمستوى الأمان وسرعة معالجة المعاملات قد تؤدي إلى زيادة الاهتمام بالعملة المشفرة، وبالتالي إلى ارتفاع سعرها.
- عوامل الاقتصاد الكلي
قد يكون للتضخم والأزمات الاقتصادية والتغيرات في السياسة النقدية أيضًا أثر على سعر البيتكوين. مستثمرون كثيرون يقولون إن عملة البيتكوين "ذهب رقمي"، مما يجعلها جذابة في ظروف عدم الاستقرار الاقتصادي.
- سيكولوجية السوق
لمزاج المستثمرين وتوقعاتهم دور حيوي في تحديد السعر. وقد تساهم الأخبار والشائعات بأنواعها والرأي العام في تقلّب الأسعار بشكل حاد.
توقعات مستقبلية
- توقعات متفائلة
يتوقع بعض المحللين، منهم مستثمر العملات المشفرة الشهير ومؤسس الشركة "جالاكسي ديجيتال" مايكل نوفوغراتز، أن سعر البيتكوين سوف يصل إلى 500 ألف دولار في السنوات القليلة المقبلة. تبنى توقعاتهم على الاهتمام المتزايد من طرف المستثمرين المؤسسيين وتزايد اعتماد العملات المشفرة بمثابة أداة حفظ القيمة.
- توقعات متشائمة
في الوقت نفسه يشك البعض اعتقادًا بأن البيتكوين قد تواجه مشكلات خطيرة. مثلاً، يشير بعض الخبراء إلى تنفيذ إجراءات تنظيمية صارمة من طرف الحكومات، مما قد يؤدي إلى انخفاض السعر إلى 10 آلاف دولار أو دون ذلك.
- توقعات متحفظة
يتمسك العديد من المحللين بوجهة نظر أكثر اعتدالًا، متوقعًا أن سعر البيتكوين سوف يتقلب ما بين 30 ألف و100 ألف دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، وهم يعتقدون أن البيتكوين سوف يتقدم بصفة أصل، إلا أن ارتفاع سعرها سوف يكون أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا.
خاتمة
يظل موضوع سعر البيتكوين من أهم المواضيع المثيرة للجدل والنقاش في عالم التمويل. تختلف التوقعات بناءً على عوامل عديدة، وكما يتبيّن من الممارسة العملية، فإن التنبؤ الدقيق بحركة الأسعار صعب جدًا. يتحتم على المستثمرين مراعاة المخاطر وتحليل الأوضاع بأنفسهم قبل صنع القرار. وفي النهاية، تظل عملة البيتكوين من الأصول المثيرة للاهتمام وأبرزها ديناميكيًا التي تقدم فرص وتحديات عديدة على حد سواء.